world best Arabic site. Wherever you may be, and whatever you find yourself doing—walking, driving, flying, cooking—steal a moment and listen to the new Library of Arabic Literature podcasts, which feature conversations with our LAL Fellows as they discuss their upcoming projects.

Subscribe Us

Breaking

Post Top Ad

Your Ad Spot

Friday, January 29, 2016

أعمال ابن الهيثم بين مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري إعداد: عبد القادر سعد محمد الباحث للدكتوراه في جامعة آسام، سيلتشار، الهند




أعمال ابن الهيثم بين مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري

مداخلة لمؤتمر الوطني
حول
ابن الهيثم و عالمه العلومي



قسم اللغةالعربية وآدابها
جامعة كالكوت




إعداد:
عبد القادر سعد محمد
الباحث للدكتوراه في جامعة آسام، سيلتشار، الهند






أعمال ابن الهيثم بين مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري
ميلاده ونشأته:
أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (/965م-430 هـ/1040معالم موسوعي مسلم قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث. ولد في البصرةفي فترة كانت تعد العصر الذهبي للإسلام، وشرع في تلقي العلم خلال تلك الفترة التي قضاها في البصرة، حيث قرأ العديد من كتب العقيدة الإسلامية والكتب العلمية.  
صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت اعتمادًا على نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس، فأثبت ابن الهيثم حقيقة أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين، وليس العكس كما كان يعتقد في تلك الفترة، وإليه ينسب مبادئ اختراع الكاميرا، وهو أول من شرّح العين تشريحًا كاملاً ووضح وظائف أعضائها، وهو أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار. كما أورد كتابه المناظر معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تعرف باسم "مسألة ابن الهيثم".
يعتبر ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر ومن رواد المنهج العلمي،  وهو أيضاً من أوائل الفيزيائيون التجريبيون الذين تعاملوا مع نتائج الرصد والتجارب فقط في محاولة تفسيرها رياضياً دون اللجوء لتجارب أخرى.
انتقل ابن الهيثم إلى القاهرة حيث عاش معظم حياته، وهناك ذكر أنه بعلمه بالرياضيات يمكنه تنظيم فيضانات النيل. عندئذ، أمره الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بتنفيذ أفكاره تلك. إلا أن ابن الهيثم صُدم سريعًا باستحالة تنفيذ أفكاره، وعدل عنها، وخوفًا على حياته إدعى الجنون، فأُجبر على الإقامة بمنزله. حينئذ، كرّس ابن الهيثم حياته لعمله العلمي حتى وفاته.
وخلال فترة وجوده في القاهرة، ارتبط ابن الهيثم بالجامع الأزهر، الذي كان بمثابة جامعة المدينة، وبعد انتهاء فترة إقامته الجبرية في منزله، كتب عشرات الأطروحات الأخرى في الفيزياء والفلك والرياضيات. ثم سافر بعد ذلك إلى الأندلس، حيث كان لديه متسع من الوقت لمساعيه العلمية والتي شملت البصريات والرياضيات والفيزياء والطب، والقيام ببعض التجارب العلمية؛ وكتب العديد من الكتب في تلك الموضوعات.                                       
عرف ابن الهيثم بالبصري نسبةً إلى مسقط رأسه في مدينة البصرة، ولقبه الغرب باسم  بطليموس الثاني (باللاتينية)Ptolemaeus Secundus‏ وبالفيزيائي في أوروبا القرون الوسطى، ويعد ريزنر هو أول من أطلق عليه اسم “Alhazen”، بعدما كان يعرف باسم “Alhacen” وهو الاسم الأقرب للنطق العربي، وفي عام 1834، اكتشفت أعمال لابن الهيثم حول مواضيع هندسية في مكتبة فرنسا الوطنية في باريس، كما توجد بعض المخطوطات الأخرى في مكتبة بودلين في   أكسفورد ومكتبة ليدن.
كان ابنُ الهيثم أستاذَ أوربا في الفيزياء والضوئيات والطبيعة لقرون، وفي جملة الأساتذة المسلمين العظام، الذين أضاءوا الطريق أمام الإنسانية قاطبة، لبلوغ الخير والرشاد.
واسمه محمد بن الحسن، أو الحسن بن الحسن، على خلاف، أما ابنُ أبي أصيبعة -المولود بدمشق والمتوفى بصرخد سنة 668 هـ- فقال في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) بأن اسم (ابن الهيثم) محمد بن الحسن بن الهيثم، وبهذه الرواية أخذ خير الدين الزركلي في قاموس أعلامه، ولكن القفطي يقول في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): إن اسمه ابن الهيثم، وذهب إلى التسمية ذاتها صاحب كشف الظنون في صفحة 138، من الجزء الأول، ولهذا حين أورد (كارل بروكلمان) ترجمته تردد في تسميته فلم يقطع بها، وكذلك المستشرق (سوتير) -حسب ما نقلت دائرة المعارف الإسلامية ص 298- تردد بين أن يكون ابن الهيثم هو الحسن بن الحسن أو الحسن بن الحسين.
وأيًّا كان اسمه، فهو ابن الهيثم الكبير، والعالم الجليل. ولد في أواخر القرن الهجري الرابع، ونشأ فقيرًا يشتغل بنسخ الكتب وببيعها، ثم علا في العلم وبرع، وأكبر حادثة في حياته هي استدعاء الحاكم بأمر الله العبيدي بمصر له، أو ذهابه هو بنفسه إلى مصر، ليعمل عملا في النيل. وذلك أن ابن الهيثم قال وهو في الشام: (لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في حالتي زيادته ونقصه)، فسارت هذه الكلمة حتى بلغت الحاكم بأمر الله بمصر، فاستدعى ابن الهيثم في النيل حتى بلغ الموضع المعروف بالجنادل، قبلي أسوان، فعاين ماء النيل واختبره من جانبيه وعجز عن الإتيان بشيء في هندسته، هذه رواية الموسوعة الفرنسية في ص 813.
وروايات أخرى تقول (إن ابن الهيثم قال: تأملت في آثار قدماء المصريين من أهرام وغيرها فعلمت أن من بنى هذه الأوابد لم يكن ليعجز عن إقامة هندسة للمياه في أسوان، لو وجد ذلك ممكنًا، أي أن ابن الهيثم رأى استحالة عمل هندسة في النيل (وما راءٍ كمن سمعا)، والقول على التوهم غير القول بعد المعاينة، فلذلك عاد من النيل عاجزًا، ولكنه خاف من إعلان عجزه للحاكم، وكان غشومًا ظلومًا، فأظهر ابن الهيثم الجنون، لينجو من بطش الحاكم، فضبط الحاكم ما عنده من مال ومتاع، وأقام له من يخدمه، وترك في منزله، فلم يزل كذلك إلى أن مات الحاكم. فأظهر ابن الهيثم العقل، وخرج من داره، فاستوطن قبة على باب الجامع الأزهر، وأعيد إليه ماله فانقطع إلى التصنيف والإفادة إلى أن توفي.
لقد كان لابن الهيثم إسهامات جليلة في مجال البصريات والفيزياء والتجارب العلمية، كما كانت مساهماته في علوم الفيزياء بصفة عامة وعلم البصريات خاصةً، محل تقدير وأساساً لبداية حقبة جديدة في مجال أبحاث البصريات نظريًا وعمليًا، وتركزت أبحاثه في البصريات على دراسة النظم البصرية باستخدام المرايا وخاصة المرايا الكروية والمقعرة والزيغ الكروي، كما أثبت أن النسبة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار ليست متساوية، كما قدم عددًا من الأبحاث حول قوى تكبير العدسات.
وفي العالم الإسلامي، تأثر ابن رشد بأعمال ابن الهيثم في علم البصريات، كما طوّر العالم كمال الدين الفارسي (المتوفي عام 1320م) أعمال ابن الهيثم في علم البصريات، وطرحها في كتابه تنقيح المناظر، كما فسّر الفارسي وثيودوريك من فرايبرغ ظاهرة قوس قزح في القرن الرابع عشر، اعتمادًا على كتاب المناظر لابن الهيثم، واعتمد العالم الموسوعي تقي الدين الشامي على أعمال ابن الهيثم والفارسي، وطوّرها في كتابه نور حدقة الإبصار ونور حقيقة النظر عام 1574م.
وفي باكستان تم تكريمًا له، أطلق اسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر، وفي 7 فبراير 1999 أطلق اسمه على أحد الكويكبات المكتشفة حديثًا، وهو59239 تكريم ابن الهيثم بإطلاق اسمه على كرسي طب العيون في جامعة آغا خان. وفي العراق، وضعت صورته على الدينار العراقي فئة 10,000 دينار الصادرة في عام 2003، كما كان اسمه يطلق على واحدة من المنشآت البحثية التي خضعت للتفتيش بواسطة مفتشي الأمم المتحدة الباحثين عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في عهد الرئيس صدام حسين.

مؤلفاته:
وفقًا لمؤرخي العصور الوسطى، كتب ابن الهيثم أكثر من 200 كتاب، وعمل على طائفة واسعة من الموضوعات، منها ما لا يقل عن 96 عملاً علمياً معروفاً. الآن فقدت معظم أعماله، ولكن ما زال باقيًا منها أكثر من 50 عملاً، كما ترجمت كتبه في علم الكون خلال العصور الوسطى، إلى اللاتينية والعبرية وغيرها من اللغات. بقيت نحو نصف أعماله في الرياضيات، ونحو 23 عملا في علم الفلك، و 14 في علم البصريات، وأعمال قليلة في موضوعات أخرى.
وقد ذكر الزركلي لابن الهيثم سبعين مؤلفًا، عدد منها كتاب المناظر، ورسالة الشكوك على بطليموس، وكتاب (الإظلال)، وكتاب تهذيب المجسطي، وكتاب (تربيع الدائرة)، ورسالة (الأخلاق)، وقد قال البيهقي في هذا الكتاب: (ما سبقه به أحد)، ولابن الهيثم كتاب مساحة الجسم المتكافئ، وكتاب الأشكال الهلالية، وكتاب المرايا المحرقة، وكتاب (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) وكتاب (ارتفاعات الكواكب). ولكن ابن أبي أصيبعة ذكر له في كتابه (عيون الأنباء) الآنف الذكر مائتي كتاب ورسالة في الرياضيات والفلك والطبيعيات والفلسفة والطب.

وعبارة المستشرق (سوتير) في إطرائه: "كان علمًا من أعلام العرب في الرياضيات والطبيعيات، وكانت له إلى ذلك مشاركة في الطب، وفي علوم الأوائل الأخرى، وخاصة في فلسفة أرسطو".
 
تبديل إسم "ابن الهيثم" إلى "الخازن / الهازن" (Alhazen/ Alhacen) عند الأوربيين
لقد كان ابن الهيثم عظيم الأثر في حضارة الأوربيين العلمية، واسمه عندهم (الهازن) ، وهذا الاسم كما يقول (الزركلي): اقرب إلى (الخازن) منه إلى (ابن الهيثم). ولكن الذي يقصده الغربيون من (الهازن) هو ابن الهيثم من غير شك، ولعل السبب في أن سموه كذلك أن أول ما شاع عندهم من كتب ابن الهيثم، هي رسالة (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) من شرح ابن الهيثم، فلعله التبس عليهم اسم المؤلف باسم الشارح، فخلطوا، فكانت تسمية ابن الهيثم عندهم (الهازن).

مترجمات كتبه في الأوربة:
وقد بالغوا في ترجمة كتبه إلى لغاتهم، فكتابه (المناظر) نشر بالألمانية عام 1572م في مدينة (بال) مع رسالة له في الشفق. وقد نقل هذه الرسالة إلى اللاتينية (جيرار دي كومونا)، وكان لكتاب المناظر هذا أثر بالغ في معرفة الغربيين لهذا العلم في العصور الوسطي من (روجير باكون) إلى (كبلر) أي خلال ثلاثة قرون ونصف القرن، إذ إن (روجير باكون) العالم الإنكليزي، ولد سنة 1214م، (وكبلر) مولود بألمانيا 1571م، وكان عالما فلكيا.

وقد نشر (فيدمان) الألماني كتاب ابن الهيثم (كيفيات الإظلال) باللغة الألمانية عام 1907م واشترك مع (هيبرج) في نشر كتاب (المرايا المحرقة بالقطوع) في مجلة المكتبة الرياضية بالمجموعة الثالثة في المجلد العاشر سنة 1910م صفحة 201 وكذلك قام (فيدمان) نفسه بنقل كتاب (في المرايا المحرقة بالدوائر) بالمجموعة نفسها من صفحة 293 إلى 307، ثم قام (سوتير) بترجمة كتابه (في مساحة الجسم المتكافئ) بالمجلد الثاني عشر سنة 1912 مع شروح عليه.

وقد ذكرت المعجمية الفرنسية أن ابن الهيثم له مؤلفات عدة في الرياضيات والفلك والفلسفة والعلوم الطبيعية وأغلبها ضاع، وبقي منها رسالة في المنحنيات الهندسية، مما يجعلنا نثق بأنه كان على اطلاع تام على كتاب (بديهيات أقليدس)، وإلى ابن الهيثم وحده يرجع فضل اكتشاف البرهان بالعدد (9) على صحة العمليات الرياضية.
كتاب المناظر:
إن الغربيين اطلعوا في كتاب ابن الهيثم (المناظر) لأول مرة، على وصف دقيق للعين، وعلى أن النظر يأتي من نور الأشياء المرئية لا من نور العين كما كان يظن اليونان، وعرفوا كيف عالج ابن الهيثم -ولأول مرة أيضًا- قضية الانعكاس، والغرفة المظلمة التي كانت هي فاتحة الباب لاختراع آلة التصوير الشمسي.
كتاب المناظر، أهم كتاب في البصريات ظهر فيما بين القرن الثاني وأوائل القرن السابع عشر، وهو دراسة لخصائص الضوء في أحواله الثلاث «الإشراق على الاستقامة، والانعكاس، والانعطاف» قائمة على الاختيار التجريبي أو ما أسماه ابن الهيثم «الاعتبار» واستخدام المناهج الرياضية في تفسير الظواهر الطبيعية. وفي هذا الكتاب أيضاً جاء ابن الهيثم بنظرية جديدة في الأبصار غير ما جاء به السابقون. وينقسم الكتاب قسمين، يختص أو أولهما بإشراق الأضواء ورؤية المبصرات على الاستقامة، ويختص ثانيهما بانعكاس الأضواء وانعطافها وما يترتب عليها من إدراك المبصرات في المرايا مختلفة الأشكال والأجسام المشفة.
وقد اعترف بفضل ابن الهيثم مع ما ذكرنا العالم (سارتون) الذي قال: (إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطي، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله، وقال فرنسيس باكون 1561- 1627م في كتابه (قيمة تقدم العلوم) الذي ألفه سنة 1605م: (إن الكندي وابن الهيثم دعامتا علم البصريات).

نظرية الرؤية:
أثبت ابن الهيثم أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة باستخدام التجارب العلمية في كتابه المناظر، وكانت قد سادت وقتها نظريتان كبيرتان حول كيفية الرؤية في العصور القديمة. النظرية الأولى نظرية الانبعاثات، التي أيدها مفكرون مثل إقليدس وبطليموس، والتي تفترض أن الإبصار يتم اعتمادًا على أشعة الضوء المنبعثة من العين، أما النظرية الثانية نظرية الولوج التي أيدها أرسطو وأتباعه، والتي تفترض دخول الضوء للعين بصور فيزيائية، عارض ابن الهيثم كون عملية الرؤية تحدث عن طريق الأشعة المنبعثة من العين، أو دخول الضوء للعين من خلال صور فيزيائية، وعلل ذلك بأن الشعاع لا يمكن أن ينطلق من العينين ويصل إلى النجوم البعيدة في لحظة بمجرد أن نفتح أعيننا، كما عارض الاعتقاد السائد بأن العين قد تجرح إذا نظرنا إلى ضوء شديد السطوع، ووضع بدلاً من ذلك نظرية ناجحة للغاية تفسر عملية الرؤية بأنها تحدث نتيجة خروج أشعة الضوء إلى العين من كل نقطة في الكائن، وهو ما أثبته عن طريق التجارب، كما وحّد علم البصريات الهندسية مع فرضيات أرسطو الفيزيائية لتشكل أساس علم البصريات الفيزيائية الحديثة.
وأثبت ابن الهيثم أيضًا أن أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة، كما نفذ تجارب مختلفة حول العدسات والمرايا والانكسار والانعكاس، وكان أيضًا أول من اختزل أشعة الضوء المنعكس والمنكسر في متجهين رأسي وأفقي، الأمر الذي كان بمثابة تطور أساسي في البصريات الهندسية، واقترح نموذجاً لانكسار الضوء يُفضي إلى استنتاج مماثل لما أفضى إليه قانون سنيل، لكن ابن الهيثم لم يطور نموذجه بما يكفي لتحقيق تلك النتيجة.
كما قدّم ابن الهيثم أول وصف واضح وتحليل صحيح للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب، على الرغم من أن أرسطو وثيون الإسكندري والكندي والفيلسوف الصيني موزي سبق لهم أن وصفوا الآثار المترتبة على مرور ضوء واحد عبر ثقب صغير، إلا أن أيًا منهم لم يذكر أن هذا الضوء سيُظهر على الشاشة صورة كل شيء في الجانب الآخر من تلك البؤرة.
وكان ابن الهيثم أول من شرح هذه التجربة مع مصباحه، فكان بذلك أول من نجح في مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما في الكاميرا المظلمة التي اشتقّ الغرب اسمها من الكلمة العربية: “قُمرة”، عن طريق كلمة camera obscura اللاتينية التي تعني "الغرفة المظلمة".
بالإضافة إلى فيزياء البصريات، أرسى كتاب المناظر أسس "علم نفس البصريات" كما أسهم ابن الهيثم أيضًا في الطب وطب العيون والتشريح وعلم وظائف الأعضاء، وكانت له تعليقات على أعمال جالينوس. وقد وصف ابن الهيثم عملية الإبصار وتكوين العين وتكوّن الصورة في العين ونظام الإبصار، كما عدل نظريات الرؤية المزدوجة وتوقع الحركة التي سبق وناقشها من قبل أرسطو وإقليدس وبطليموس.

الفيزياء الفلكية:

في مجال الفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية، ذكر ابن الهيثم في أطروحته الخلاصة في علم الفلك أن الأجرام السماوية يمكن تفسير ظواهرها وضم كتابه ميزان الحكمة نقاشات في الاستاتيكا والفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية، كما ناقش نظرية تجاذب الكتل، وكان على دراية بمقادير التسارع من مسافة ما الناتج عن الجاذبية .
كما وضع ابن الهيثم تصوراً واضحاً للعلاقة بين النموذج الرياضي المثالي ومنظومة الظواهر الملحوظة، فقد كان ابن الهيثم أول من استخدم طريقة تثبيت أحد المتغيرات، وتغيير باقي المتغيرات بانتظام، وذلك في تجربته لتوضيح أن كثافة بقعة الضوء التي يشكلها سقوط ضوء القمر من خلال فتحتين صغيرتين على شاشة، تقل عند حجب أحدها تدريجيًا.

أعماله في علم الفلك:

تشكيكه في نظريات بطليموس:
انتقد ابن الهيثم في مخطوطته (شكوك على بطليموس) التي نشرها بين عامي 416 هـ و419 هـ، العديد من أعمال بطليموس بما في ذلك كتبه المجسطي والكواكب المفترضة والبصريات، مشيرًا إلى الكثير من المتناقضات التي وجدها في هذه الأعمال، واعتبر أن بعض الأجهزة الرياضية التي استخدمها بطليموس في علم الفلك، وخاصة الإيكوانت، فشلت في الخصائص الفيزيائية للحركة الدائرية المنتظمة، وكتب نقدًا لاذعًا حول الواقع المادي لنظام بطليموس الفلكي، مشيرًا إلى عبثية اقتراحه بالربط بين الحركات الفيزيائية، والنقاط والخطوط والدوائر الرياضية الوهمية.
فقد افترض بطليموس نظامًا لا يمكن أن يتواجد، والحقيقة أن هذا النظام الذي تخيله حول حركة الكواكب، لا يعفيه من الخطأ الذي افترضه في هذا النظام، فحركة الكواكب الموجودة لا يمكن أن تنتج وفق هذا النظام المفترض فتصور الرجل لدائرة في السماء يدور فيها الكوكب ليست هي الدافع لحركة الكوكب، وقد وجّه ابن الهيثم المزيد من الانتقادات لأعمال بطليموس سواءً بالتجربة أو الملاحظة أو الاستنباط لاستخدام بطليموس للحدس في نظرياته بدلاً من تسجيله لملاحظات حول الظواهر، وهو ما لم يرض عنه ابن الهيثم بسبب اصراره على استخدام التجارب العلمية.
ويقول ابن الهيثم: إن الباحث عن الحقيقة ليس هو من يدرس كتابات القدماء على حالتها ويضع ثقته فيها، بل هو من يُعلّق إيمانه بهم ويتساءل ما الذي جناه منهم، هو الذي يبحث عن الحجة، ولا يعتمد على أقوال غيره وبالتالي فإن من الواجب على من يحقق في كتابات العلماء، إذا كان البحث عن الحقيقة هدفه، هو أن يستنكر جميع ما يقرأه، ويستخدم عقله حتى النخاع لبحث تلك الأفكار من كل جانب، وعليه أن يتشكك في نتائج دراسته أيضًا، حتى يتجنب الوقوع في أي تحيز أو تساهل.

أعماله في الرياضيات:

في الرياضيات، اعتمد ابن الهيثم في عمله على أعمال إقليدس وثابت بن قرة، فقد وضع نظامًا للقطع المخروطي ونظرية الأعداد، والتي تعتبر من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، وربط بين الجبر والهندسة، وهو ما استفاد منه رينيه ديكارت في تطوير الهندسة التحليلية وإسحاق نيوتن في التفاضل والتكامل.

الميكانيكا:

في مجالات الديناميكا وعلم الحركة، ناقش ابن الهيثم في مخطوطته رسالة في المكان نظريات حركة الأجسام، وأكد أن الأجسام في حركة دائمة ما لم توقفها قوة خارجية أو يتغير اتجاهها، كان هذا مماثلا لمفهوم القصور الذاتي، ولكنه لم يحقق تلك الفرضية بالتجربة، كانت إضافته الرئيسية في الميكانيكا التقليدية، تعريفه لقوة الاحتكاك، التي أثبتها جاليليو جاليلي بعد عدة قرون، وصيغت بعد ذلك في قانون نيوتن الأول للحركة.

علم النفس:

في علم النفس والموسيقى، كان لابن الهيثم مخطوطة حول تأثير الأنغام على أرواح الحيوانات، والتي تعد أقدم مخطوطة تتعامل مع تأثير الموسيقى على الحيوانات، في تلك المخطوطة، قال إن سرعة الجمل تزداد وتقل مع استخدام الحداء، وضرب أمثلة أخرى حول كيفية تأثير الموسيقى على سلوك الحيوان وسيكولوجيته، وقد أجرى تجاربه على الطيور والخيول والزواحف.
وحتى القرن التاسع عشر، اعتقد معظم علماء الغرب بأن الموسيقى لها تأثير واضح على ظاهر الإنسان، ولكن التجارب أثبتت وجهة نظر ابن الهيثم بأن الموسيقى لها تأثير على الحيوانات أيضًا، كما أكد العالم النفسي السوداني عمر خليفة أنه ينبغي اعتبار ابن الهيثم “مؤسس علم النفس التجريبي”، لعمله الرائد في علم نفس الإدراك البصري والخدع البصرية، وهو أيضًا مؤسس علم النفس الفيزيقي ‏(en)‏، أحد مقدمات علم النفس الحديث.

الهندسة المدنية:

في مجال الهندسة المدنية، تعد من أهم أعماله المدنية استدعاء الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله له لتنظيم فيضان النيل في مصر، أعد ابن الهيثم دراسة علمية مفصلة حول الفيضان السنوي لنهر النيل، ورسم خطة لبناء سد في موقع سد أسوان في العصر الحديث. وأثناء معاينته العملية للموقع لاحقًا، تبين له عدم جدوى هذا المخطط، ثم ادعى الجنون ليفلت من عقاب الخليفة، كما ذكر عبد الرحمن الخازني، أن ابن الهيثم كتب أيضًا مخطوطة تُقدّم وصفًا لعمل ساعة مائية.

الفلسفة:

في الفلسفة، انتقد ابن الهيثم في مخطوطة رسالة في المكان مفهوم التوبوس عند أرسطو، ففي فيزياء أرسطو، ذكر أرسطو أن المكان هو الشيء ثنائي الأبعاد الساكن الذي يحتوي الجسم ويتصل به، اختلف ابن الهيثم مع ذلك، وأثبت أن المكان هو فراغ ثلاثي الأبعاد بين الأسطح الداخلية للجسم الذي يحتويه، وأوضح أن المكان أقرب إلى فضاء، مما ألقى الضوء على مفهوم المكان عند رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، بعد رسالة في المكان، كتب ابن الهيثم مخطوطته قول في المكان، والتي قدّم فيها إثباتًا هندسيًا حول هندسية المكان، يعارض مفهوم أرسطو الفلسفي حول المكان، وقد كتب عبد اللطيف البغدادي المؤيد لرأي أرسطو الفلسفي حول المكان، ردًا على تلك الفكرة بكتابه “الرد على ابن الهيثم في المكان”.
ناقش ابن الهيثم أيضًا تخيل الفضاء وآثاره المعرفية في كتاب المناظر. كما أدى إثباته بالتجربة لنموذج ولوج الرؤية إلى تغييرات في فهم طريقة الإدراك البصري للفضاء، على النقيض من نظرية انبعاث الرؤية السابقة التي أيدها إقليدس وبطليموس.
ويعتقد البعض أن نظريات ابن الهيثم حول الألم والإحساس متأثرة بالفلسفة البوذية، فقد كتب أن كل إحساس هو شكل من أشكال المعاناة، وأن ما يدعوه الناس بالألم هو مجرد مبالغة في التخيل؛ إذ لا يوجد فرق نوعي ولكن فقط فرق كمّي بين الألم والإحساس العادي.
وفاته:
وقد توفي ابن الهيثم عام 430هـ - 1039م في القاهرة، عند أكثر المؤرخين، إلا البيهقي في كتابه (تاريخ حكماء الإسلام) فقد قال: إن ابن الهيثم لما خاف على نفسه من الحاكم بأمر الله هرب إلى سورية، ولم يذكر وفاته، ولا عودته إلى مصر.

ذلك كان نجمًا في سماء الحضارة الإسلامية، أنار الطريق أمام أوربا، فيمن أنارها من علماء المسلمين، وكان نعم العالم في نعم المناخ يومئذ، مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري والخصوبة الحضارية التي زرعها الإسلام حيث دخل وانتشر، فلولا الحضارة الأم ما خرج الأبناء البررة، النشطون إلى كل خير وعلم وصلاح.

أختتم هذه المقالة  بجملة قالها إبن الهيثم وهي:   "سعيت دومًا نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأني لكي أتقرب إلى الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة".

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot

Pages