خطبة حجة الوداع: صفحة متألقة في
تاريخ الإنسان
عبد القادر سعد محمد، محاضر جامعة آسام
سيلتشار
خطبة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وإعلانها في يوم عرفة بميدانها
الفسيح شاهدين أكثر من مأة ألف أصحابه الكرام صفحة متألقة في تاريخ الإنسان. فذالك
الإعلان الذي أعلن يوم عرفة بلسان النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أربعة
عشر قرون هو الإعلان الحقيقي لحقوق الإنسانية متألقا في صفحات التاريخ العالمي على
الضبط.
فخطبته صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع هي المفاهيم الإنسانية ونظرياتها
العلية لسائر الناس طول الدهور والأماكن. فأعلن
في خطبته أن حياة الإنسان وماله وعرضه معظم ومحترم وينبغي أن يعصمها بأي
قيمة. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير(حجرات: 49)
أكد في خطبته الوداع عن آداب الأموال و معاملاتها التي
ينبغي أن تعتني بها كل العناية. وفي هذا العهد المعاصرالمضيق بأياد السود الربوية أصالة خاصة وجدارة هامة لذلك الإعلان
الإنسانية التي تحققت على لسان محمد صلى الله عليه وسلم صاحب حرب الفجار و حلف
الفضول و مساعده. فالرسول صلى الله عليه وسلم
الذي علم أهمية جمع الأموال
وتقسيمها نبههم على الأمانة والخلوص
وحذرهم عن الخيانة والغدر.
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم المصور الأمة المتفاخرة
بينهم بالنسب والمنصب والمتحاربة له أسوة حسنة و قدوة ثقافة علية وتهذب سمي
وتمدن جلي في خطبة يوم عرفة بميدانها
الفسيح مستشهدا مأة ألف حجاج من أصحابه:
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت
عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإن ربا
الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا.
وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة
بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد
قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية
– ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ولما استأصل النبي صلى الله عليه وسلم مفاهيم الجاهلية
وعقائدها الفاسدة وهدم تفاخر النسب والحسب ووحدهم على كلمة واحدة شهدت بها حتى
ولاية كيرلا وأرجائها لقبول الإسلام و نشرها في أرضها الخصبة.
فخطاب القرآن الكريم في سورة الحجرات هو مترداف
الإنسانية وإعلان حقوقها الحقيقية في الحق: (يا أيها الناس
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم
إن الله عليم خبير (حجرات: 13 ).
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا هذه الخلاصة
والنظرية في خطبته الوداع حيث قال: " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد
كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا
بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب".
يصوت اليوم أشخاص حقوق الإنسانية وزعمائها في هذا العصر الراهن
لحقوق النساء و لتسريحهن من التعذيب والتنكيل. فالنبي الرحمة والرؤف الأمة قد نبه
في حجة الوداع عن كل حقائق تستحقها النساء وأعلنها كاملة في خطبة جوامع الكلم:
أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم
أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين
بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن
ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا
بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن
بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن
خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد.
نظام الأسرة التي هو أصل المجتمع يستقر على أمانة الزوجين وعفتهما ومحبتهما وإلفتهما ومودتهما . فإذا عدمت هدمت الأسرة بدون تبطأ
وتأخر، وينحط المجتمع بهذا الإنعدام وفشل نظامها. فأشار اليه الرسول الكريم صلى
الله عليه وسلم قبل قرون على الرغم ايجاد علوم المجتمع والإجتماع وصرح في خطبته عن
الآداب والشؤن التي يهتم بها المسلمون بينهم حيث قال:" أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم
فاشهد".
يوضح فيها النبي صلي الله عليه وسلم عن
أهمية أخوة المسلمين بينهم وإستدامتها طول الدهور ويرشد بها النصائح المناسبة
والوصايا الراشدة.
نحن نذكر ذلك الإعلان الذي أعلنه النبي صلي الله عليه وسلم قبل قرون لما
يجتمع الناس يوم عرفة في ميدانها الفسيح من أنحاء العالم المختلفة وأرجائها
المتنوعة في ثوب واحد وهدف واحد ملبيين تلبية واحدة. نعم ذلك الإعلان المذكورعلي
كرالدهور ومر الأيام الذي يصغي اليها العالم حتي اليوم هو إعلان الحقوق الإنسانية
في الأصل. في هذ العصر الراهن الذي يصير فيه مفاهيم الإنسانية ونظرياتها ألفاظا
شفوية، ينبغي علينا أن نتأسي بأوامر التي صيرت ميدان عرفة صفحة متألقة في تاريخ
العالم ونستخدم مفاهيمها طول حياتنا. والله ولي التوفيق.
No comments:
Post a Comment